لطالما كانت الأوقات السيئة تزورني عندما يرحل البشر، عندما أختلي في غرفتي وأجلس على الأريكة لأراقب العالم في الخارج عبر الزجاج، وأتفحصه مصباحًا مصباحًا..
العالم مُنهِك، الحياة وسط كل تلك الفتن متعبة، ضجيج البشر يشعرك بالانتهاك النفسيّ.. وكل شيءٍ يؤول للوَحدة.
ربما هذا حال الكثيرين، وحالي قبل أن يكون حالهم.. شخصٌ انطوائيّ، يعشق الوَحدة، ويُفَضِّل الصمت.
ولكن هذا ليس مُبتغاي؛ فأنا لا أحب بَثَّ المشاعر السلبية للآخرين، حتى ولو كنت مَلأى بها..
السؤال هُنا:
هل نحن نُفَضِّل الوَحدة بالفعل؟ هل في الكون شخصٌ قد وجد قرينه في الحياة، ورَغمًا عن ذلك آثَر الوَحدة عليه؟
أكاد أجزم أنه لا.
نحن البشر كلٌ منا يتمنى لو يعثر على جليسه، وسمير ليله، ونَديم شُربِه، وصاحبه، ورفيق سَفَره، وصديق وِدِّه، وخليله ذاك الذي تتخلل محبته الروح، وأنيسه الذي يأنس به ويُدخِل السعادة على قلبه، وصَفِيِّه ذاك الصافي في علاقته، وقرينه.. القرين الرفيق الدائم، الذي يلزمه في حَلِّه وتِرحاله، ويتعَلَّق به ولا يُفارِقُه.
فصبرٌ جميل..
تلك أمانينا نحن البشر، شخصٌ يُضَمِّد الجراح ولا يُحدِثُها.
ولكنها للأسف.. تبقى أمنيات.
ويبقى السبب الأوحد للوَحدة أننا نرفع الراية لتلك الأمنيات مُعلنِين استسلامنا، ولا نتيَقَّظُ للدنيا.. الدنيا الملأى بالكَبَد، التي هي بطبيعتها دار المكابدة والتعب والعناء.
نحن نغفل عن ذلك، ونخالها مَحلًّا لما طاب؛ مما يجعل أمنياتنا تُبنى على سراب، وما إن يتبخر ذلك السراب سرعان ما تَزِل الأقدام.. في دوامة الأحزان والأسقام.
الدنيا ليست للرخاء، الدنيا دار الشقاء.
-وأين راحة قلوبنا؟
= يقول شيخي دومًا:
“وخلفَ بابِ الجنةِ للأحلام المُبتسرة.. بِراح.”