لِألَّا تَبطُلُ قُدِسِيَّتُه…
مُذ دَقَّ الُفؤَادُ؛ فَهَاجَ الجَسَدُ…
مُذ عَمَل اللبُّ، وَقُرِعَ الجَرَسُ…
مُذ بَانَت الأيدِي، وَكَأَنْ قَد رُجِّعَت عَنهَا قَوَانِينُ الأنَم…
مُذ اعتَمَلت لِنَفسِي مَشَاعِرٌ بَينَ العَسَقِ والغَسَق…
مُذ حِينِهِم؛ حَانَ الوَقتُ؛ فَبَانَ الكَلِمُ…
فَمَا دَقَّ الفُؤَادُ إلا للقَلَمِ، وَمَا عَمَلَ اللبُّ إلا للقَلَمِ، وَمَا بَانَت الأيدِي عَن مَواضِعِهَا إلا بِالقَلَمِ ولِلقَلَمِِ، وَمَا اعتَلمَت لِنَفسِي مَشَاعِرٌ إلا وَأَمسَكتُ بِالقَلَمِ، ولِجِمَاعِ ذَلِكَ أَنسِجُ النُصُوصَ أُنَاشِدُهَا؛ فُالقَلَمُ نَسَّاجٌ وّمَا نَسجُه سِوَىٰ النَّصِ.
تُدَاعِبُ أَنَامِلِي الحروفُ، تَعرُونِي لهَا أَلفَ نَفضَةٍ؛ فَالنَّصُ قِدِّيسٌ يُكِلُّ نُورُهُ القَلبَ، وَتَسكُنُ الجَوَارِحُ تُضَارِبُهَا نَسَمَاتُهُ، وَالعَقلُ عَلىٰ عَرشِ الجَسَدِ يَستَأنِسُ بِهِ وَيَأنَسُ، وَمُقلَتَاي بِلَهِيبِ الشَّوقِ تُطَالِعُهُ، وبِعَينِ الحُبِّ تُبَادِلُهُ.
النَّصُ كَائِنٌ حَيٌّ شَاعِرٌ بِهَامِسِهِ وَلَامِسِه، نَابِضٌ بِالإحسِاسِ بِهِ مُنَعَّمُ، يَتُوقُ لِإبحَارِنَا بِقَلبِهِ لَا وُقُوفنا عَلَىٰ شَاطِئِهِ نَتَطَلَعُ؛ فَلَا نَاظِرٌ يُعنِيهِ وَإنَمَا مهِيمٌ بِهِ، فِي كَلِمَاتِه غَارِقُ، وَكَيفَمَا الزُهُورُ المَاءُ سُقيُهَا؛ كَذَلِك النَّصُ سُقيُهُ التَآمُلُ والحِسُ؛ فَاشعُر بالنّصُوصِ؛ تُشعِل بِك نِيرَانَ إبرَاهِيمَ، وَغُص بِالحُرُوفِ لَا وِفقِهَا أو فَوقِهَا؛ فَلا تَلمِسَنَّكَ مِنَ الحَقِيقَةِ سِوَىٰ أدبَارِهَا.
واسقِ مَا أَنت قَارِئٌ بِالتَأنِي بِأَعمَاقِه؛ فلا يَنضَبُ الزَّرعَ وَلا يَهلَكُ الضَّرع، وَمَا النَظَرُ السَّطحِي للنصُوصِ سِوَىٰ سَفَه، وَجَعِيلٌ مِن الألمَاسِ فَحمًا مُسوِدا، وَمَا ظَلَلتَ تَقرَأ بِنَظرَةٍ إلا ضَللتَ الطَّرِيقَ غَير مُكَّرَمِ.
غَرِّد بِسمَاءِ النصُوصِ وَغُص بِأعمَاقِ أَعمَقِ بِحَارِهَا، ولا تِقفَ عَلىٰ الأوتَارِ؛ فتَلتَف حَولَ رِقَابِكَ، وَتَغدُو أَنتَ هَالكًا بَائِسًا غَير مُنَعَّمِ.
عِش بِأعمَاق النصُوصِ؛ تُنبِت بِأعمَاقِكَ أسمَىٰ المَعَانِي وَأصدَقَ الكَلِمِ.