إنه الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي اللذان أدَّيا إلى تفاوتٍ طبقيٍّ متصاعدٍ وواضحٍ بين البشر، والذي قد يدفع الكثيرين للتشدُّق بعبارات التساوي والتعادل بين البشر في أرزاقهم الدنيوية!
لذلك، كان حَرِيُّ بي أن أناقش هذه المسألة هنا بعد الكثير والكثير من البحث، الذي لن أُدلِي هنا إلا بنتائجه التي أصبحت جليَّةً بالنسبة إليّ. فما هذا المقال إلا طرحًا لفكرةٍ يمكنكم الانطلاق منها للبحث عن الحق، وأما عن الأدلة، فاسألوا أهل العلم إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد، فقد سمعت -كغيري- كثيرين ممن يُقِرُّون بأن البشر متساوين في أرزاقهم هنا، في الدنيا، فيَرَوْن أن هذا أخذ رزقه في المال، وذلك أخذه في الصحة، وذاك في الجمال، وغيره في السعادة، وهكذا.
على أننا نجد في دنيانا هذه كثيرين ممن أمضوا حياتهم في فقرٍ وجهلٍ ومرضٍ وتعاسة، وعلى النقيض.. نجد كثيرين ممن تتبدَّى بين أيديهم كثيرٌ من أسباب القوة!
ولا أُشير في ذلك إلى مُجتمعٍ بعينه، وإنما هي فكرةٌ عامة، لكن هذا التصور ظل ساريًا وجاريًا، وأخذ الناس يرددونه في كل مكان.
أتصوَّر -من خلال بحثي- أن عدل الله يمضي في اتجاهٍ آخرَ مغايرٍ لهذا الاتجاه، فسبحانه قسَّم بين الناس أرزاقهم، ومعايشهم، وفضّل بعضهم على بعضٍ في الرزق؛ ابتلاءً، وامتحانًا، واستخراجًا لشكر الشاكرين، وصبر الصابرين. وكلما زاد رزقُك، زادت مسئوليتك في الدنيا؛ فالله يسأل الناس على قدر ما أعطاهم، فمن أوتي علمًا سيُسأل عمَّا فعل بما تعلمه، هل نُفِع ونَفَع به؟ هل دافع به عن الحق؟ أم وظَّفه في خدمة الطغاة والعصاة؟.. وهكذا، عن كل حالٍ ووضع.
وعليه، فإن معادلة المساواة في مجموع الأرزاق لا تكتمل في الدنيا، وإنما في الآخرة. والحق أن الأرزاق قِسمَته سبحانه، وهو أرأف بعباده من أنفسهم، ولكنها الحكمة لمصلحتهم.
هذا مع الأخذ في الاعتبار، أن الإنسان مُطالَبٌ بالأخد بالأسباب وبالعمل الجادِّ الدءوب، والله تعالى يعلم ويُقَدِّر ويقرِّر.
هذا والله أعلى وأعلم.